فصل: سؤال: لم صرح بالمفعول في قوله: {أولادهن} مع كونه معلومًا؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: لم صرح بالمفعول في قوله: {أولادهن} مع كونه معلومًا؟

الجواب: صرح بالمفعول مع كونه معلومًا، إيماء إلى أحقية الوالدات بذلك وإلى ترغيبهن فيه؛ لأن في قوله: {أولادهن} تذكيرًا لهن بداعي الحنان والشفقة. اهـ.

.سؤال هل يجوز بعد الحولين رضاع:

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} نَصَّ عَلَى أَنَّ الْحَوْلَيْنِ تَمَامُ الرَّضَاعِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ رَضَاعٌ.
قِيلَ لَهُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْإِتْمَامِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ مُدَّةَ الْحَمْلِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي قوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقَوْله تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}؟ فَجَعَلَ مَجْمُوعُ الْآيَتَيْنِ الْحَمْلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ لَمْ تَمْتَنِعْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ ذِكْرُ الْحَوْلَيْنِ لِلرَّضَاعِ غَيْرُ مَانِعٍ جَوَازَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمَا؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَلَمْ تَمْتَنِعْ زِيَادَةُ الْفَرْضِ عَلَيْهَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ تَقْدِيرٌ لِمَا يَلْزَمُ الْأَبَ مِنْ أُجْرَةِ الرَّضَاعِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا، لِإِثْبَاتِهِ الرَّضَاعَ بِتَرَاضِيهِمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَلَمَّا ثَبَتَ الرَّضَاعُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ التَّحْرِيمِ بِهِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: لم قال: {تُضَارَّ} والفعل لواحد؟

قلنا لوجوه أحدها: أن معناه المبالغة، فإن إيذاء من يؤذيك أقوى من إيذاء من لا يؤذيك والثاني: لا يضار الأم والأب بأن لا ترضع الأم أو يمنعها الأب وينزعه منها والثالث: أن المقصود لكل واحد منهما بإضرار الولد إضرار الآخر، فكان ذلك في الحقيقة مضارة. اهـ.

.سؤال: لم عطف التشاور على التراضي؟

الجواب: عطف التشاور على التراضي تعليمًا للزوجين شؤون تدبير العائلة، فإن التشاور يظهر الصواب ويحصل به التراضي. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قوله جلّ ذكره: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.
غايةُ الرحمة التي يُضْرب بها المَثَلُ رحمةُ الأمهات؛ فأَمَرَ الله سبحانه الأمهاتِ بإكمال الرحمة بإرضاع المولود حَوْلَين كاملين، وقطعُ الرضاعة عنه قبل الحولين إشارةٌ إلى أن رحمة الله بالعبد أتمُّ من رحمة الأمهات.
ثم قال جلّ ذكره: {وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}.
يعني الأب عليه رزقهن وكسوتهن- أي المرضعات- بالمعروف. لمَّا يَنُبْن عنك وَجَبَ حَقَّهُن عليك، فإِنَّ مَنْ لك كله فعليك كله.
ثم قال جلّ ذكره: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}.
ادخارُ المستطاع بُخْلٌ، والوقوفُ- عند العجز- عذر.
ثم قال جلّ ذكره: {لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}.
في الإرضاع وما يجب عليه.
{وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}.
يعني الوالد بولده يعني فيما يلزم من النفقة والشفقة. فكما يجب حق المولود على الوالدين يجب حق الوالدين على المولود.
ثم قوله جلّ ذكره: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَّا آتَيْتُمْ بِالمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
يعني فطامًا قبل الحولين، فلا جناح بعدما كان القصد الصلاح. اشتملت الآية على تمهيد طريق الصحبة، وتعليم محاسن الأخلاق في أحكام العسرة وإن من لا يَرْحَم لا يُرْحَم.
وقال صلى الله عليه وسلم لمن ذكر أنه لم يُقَبِّل أولاده: «إن الله لا ينزع الرحمة إلا من قلب شقي». اهـ.

.قال الفخر:

روي أن رجلًا جاء إلى علي رضي الله عنه فقال: تزوجت جارية بكرًا وما رأيت بها ريبة، ثم ولدت لستة أشهر، فقال علي رضي الله عنه قال الله: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْرًا} وقال تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فالحمل ستة أشهر الولد ولدك، وعن عمر أنه جئ بامرأة وضعت لستة أشهر، فشاور في رجمها، فقال ابن عباس: إن خاصمتكم بكتاب الله خصمتكم، ثم ذكر هاتين الآيتين واستخرج منهما أن أقل الحمل ستة أشهر. اهـ.

.قال أبو حيان:

والمولود له، هو الوالد، وهو الأب، ولم يأت بلفظ الوالد، ولا بلفظ الأب، بل جاء بلفظ: المولود له، لما في ذلك من إعلام الأب ما منح الله له وأعطاه، إذ اللام في: له، معناها شبه التمليك كقوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} وهو أحد المعاني التي ذكرناها في اللام في أول الفاتحة، ولذلك يتصرف الوالد في ولده بما يختار، وتجد الولد في الغالب مطيعًا لأبيه، ممتثلًا ما أمر به، منفذًا ما أوصى به، فالأولاد في الحقيقة هم للآباء، وينتسبون إليهم لا إلى أمهاتهم، كما أنشد المأمون بن الرشيد، وكانت أمه جارية طباخة تدعى مراجل، قال:
فإنما أمهات الناس أوعية ** مستودعات وللابناء آباء

فلما كان لفظ: المولود، مشعرًا بالمنحة وشبه التمليك، أتى به دون لفظ: الوالد، ولفظ: الأب، وحيث لم يرد هذا المعنى أتى بلفظ الوالد ولفظ الأب، كما قال تعالى: {لا يجزى والد عن ولده} وقال: {لا جناح عليهن في آبائهن}.
ولطيفة أخرى في قوله: {وعلى المولود له} وهو أنه لما كلف بمؤن المرضعة لولده من الرزق والكسوة، ناسب أن يسلى بأن ذلك الولد هو وُلِد لك لا لأمه، وأنك الذي تنتفع به في التناصر وتكثير العشيرة، وأن لك عليه الطواعية كما كان عليك لأجله كلفة الرزق، والكسوة لمرضعته. اهـ.

.قال الفخر:

إنه تعالى كما وصى الأم برعاية جانب الطفل في قوله تعالى: {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وصى الأب برعاية جانب الأم حتى تكون قادرة على رعاية مصلحة الطفل فأمره برزقها وكسوتها بالمعروف، والمعرَّف في هذا الباب قد يكون محدودًا بشرط وعقد، وقد يكون غير محدود إلا من جهة العرف، لأنه إذا قام بما يكفيها في طعامها وكسوتها، فقد استغنى عن تقدير الأجرة، فإنه إن كان ذلك أقل من قدر الكفاية لحقها من الجوع والعري، فضررها يتعدى إلى الولد.
الثانية: إنه تعالى وصى الأم برعاية الطفل أولًا، ثم وصى الأب برعايته ثانيًا، وهذا يدل على أن احتياج الطفل إلى رعاية الأم أشد من احتياجه إلى رعاية الأب، لأنه ليس بين الطفل وبين رعاية الأم واسطة ألبتة، أما رعاية الأب فإنما تصل إلى الطفل بواسطة، فإنه يستأجر المرأة على إرضاعه وحضانته بالنفقة والكسوة، وذلك يدل على أن حق الأم أكثر من حق الأب، والأخبار المطابقة لهذا المعنى كثيرة مشهورة. اهـ.

.قال القرطبي:

في هذه الآية دليل لمالكٍ على أن الحضانة للأُم؛ فهي في الغلام إلى البلوغ، وفي الجارية إلى النكاح؛ وذلك حق لها، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعيّ: إذا بلغ الولد ثمان سنين وهو سنّ التمييز، خُيِّر بين أبويْه، فإنه في تلك الحالة تتحرّك همته لتعلم القرآن والأدب ووظائف العبادات، وذلك يستوي فيه الغلام والجارية. وروَى النسائيّ وغيره عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت له: زوجي يريد أن يذهب بابني، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك وهذه أُمّك فخذ أيهما شئت» فأخذ بيد أُمّه وفي كتاب أبي داود عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده فقالت: يا رسول الله، إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عِنَبَة، وقد نفعني، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَهِما عليه» فقال زوجها: من يحاقّنِي في ولدي! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك وهذه أُمك فخذ بيد أحدهما شئت» فأخذ بيد أُمّه فانطلقت به ودليلنا ما رواه أبو داود عن الأُوزاعيّ قال: حدّثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو أن امرأة جاءت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وِعاءً، وثديي له سِقاءً، وحِجري له حِواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تنكحي» قال ابن المنذر: أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأُمّ أحق به ما لم تنكح. وكذا قال أبو عمر: لا أعلم خلافًا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوّج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلًا صغيرًا لا يميز شيئًا إذا كان عندها في حِرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج.
ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأُمه وفيمن هو أولى به؛ قال ابن المنذر: وثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة للخالة من غير تخيير. روى أبو داود عن عليّ قال: خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدِم بابنة حمزة، فقال جعفر: أنا آخذها أنا أحقّ بها، ابنة عمي وخالتها عندي والخالة أُمّ. فقال عليّ: أنا أحق بها، ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أحق بها. فقال زيد: أنا أحق بها، أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها. فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا قال: «وأما الجارية فأقضِي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أُمّ». اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتيبة عن الكسائي {لاَ تُضَارَّ} بالرفع والباقون بالفتح، أما الرفع فقال الكسائي والفراء إنه نسق على قوله: {لاَ تُكَلَّفُ} قال علي بن عيسى: هذا غلط لأن النسق بلا إنما هو إخراج الثاني مما دخل فيه الأول نحو: ضربت زيدًا لا عمرًا فأما أن يقال: يقوم زيد لا يقعد عمرو، فهو غير جائز على النسق، بل الصواب أنه مرفوع على الاستئناف في النهي كما يقال: لا يضرب زيد لا تقتل عمرًا وأما النصب فعلى النهي، والأصل لا تضار فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين، يقال: يضارر رجل زيدًا، وذلك لأن أصل الكلمة التضعيف، فأدغمت إحدى الراءين في الأخرى، فصار لا تضار، كما تقول: لا تردد ثم تدغم فتقول: لا ترد بالفتح قال تعالى: {يا أيها الذين آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} [المائدة: 54] وقرأ الحسن: {لاَ تُضَارَّ} بالكسر وهو جائز في اللغة، وقرأ أبان عن عاصم {لاَ تُضَارر} مطهرة الراء مكسورة على أن الفعل لها. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}.
فِي الآية دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِ الْوَلَدِ مَا دَامَ صَغِيرًا، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الرَّضَاعِ بَعْدَمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْأُمِّ بَعْدَ الرَّضَاعِ كَهِيَ قَبْلَهُ، فَإِذَا كَانَتْ فِي حَالِ الرَّضَاعِ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ غَيْرَهَا عَلِمْنَا أَنَّ فِي كَوْنِهِ عِنْدَ الْأُمِّ حَقًّا لَهَا؛ وَفِيهِ حَقٌّ لِلْوَلَدِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الْأُمَّ أَرْفَقُ بِهِ وَأَحْنَى عَلَيْهِ.
وَذَلِكَ فِي الْغُلَامِ عِنْدَنَا إلَى أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَتَوَضَّأَ وَحْدَهُ، وَفِي الْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ إذَا بَلَغَ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّأْدِيبِ وَيَعْقِلُهُ فَفِي كَوْنِهِ عِنْدَ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَالْأَبُ مَعَ ذَلِكَ أَقْوَمُ بِتَأْدِيبِهِ، وَهِيَ الْحَالُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
فَمَنْ كَانَ سِنُّهُ سَبْعًا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُهَا؛ فَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَدَبِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى تَعَلُّمِهِ.
وَفِي كَوْنِهِ عِنْدَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَا ضَرَر عَلَيْهَا فِي كَوْنِهَا عِنْدَ الْأُمِّ إلَى أَنْ تَحِيضَ، بَلْ كَوْنُهَا عِنْدَهَا أَنْفَعَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى آدَابِ النِّسَاءِ، وَلَا تَزُولُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ عَنْهَا إلَّا بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي كَوْنِهَا عِنْدَهَا؛ فَلِذَلِكَ كَانَتْ أَوْلَى إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ، فَإِذَا بَلَغَتْ احْتَاجَتْ إلَى التَّحْصِينِ وَالْأَبُ أَقُومُ بِتَحْصِينِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ أَوْلَى بِهَا. اهـ.
وقال الجصاص:
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فَإِنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَضَارِّ نَهْيُ الرَّجُلِ أَنْ يُضَارَّهَا بِوَلَدِهَا وَنَهْيُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُضَارَّ بِوَلَدِهِ.
وَالْمُضَارَّةُ مِنْ جِهَتِهَا قَدْ تَكُونُ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، فَأَمَّا فِي النَّفَقَةِ فَأَنْ تَشْتَطَّ عَلَيْهِ وَتَطْلُبَ فَوْقَ حَقِّهَا، وَفِي غَيْرِ النَّفَقَةِ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَالْإِلْمَامِ بِهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَغْتَرِبَ بِهِ وَتُخْرِجَهُ عَنْ بَلَدِهِ فَتَكُونَ مُضَارَّةً لَهُ بِوَلَدِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ أَنْ لَا يُطِيعَهُ وَتَمْتَنِعَ مِنْ تَرْكِهِ عِنْدَهُ.
فَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ يَنْطَوِي عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهَا. اهـ.